الخميس، 29 سبتمبر 2011

المعولُ الحجريِ .. لبدر شاكر السياب

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام ))



رنين المعول الحجري في المرتج من نبضي
يدمر في خيالي صورة الأرض
ويهدم برج بابل يقلع الأبواب يخلع كل آجره
ويحرق من جنائنها المعلقة الذي فيها
فلا ماء ولا ظل ولا زهره
وينبذني طريدا عند كهف ليس تحمي بابه صخره



لا تدمي سوادالليل نار فيه يحييني وأحييها
يا كواسر يا أسود ويا نمور ومزقي الانسان
اذ أخذته رجفة ما يبث الليل من رعب
فضجي بالزئير وزلزلي قبره
دماغي وارث الأجيال عابر لة الأكوان
سيأكل مته داء شل من قدمي وشديدا على قلبي
كلام ذاك أصدق من نبؤة أي عراف
تريه مسالك الشهب



حمى الأسرار تطلعه على المتربص الخافي
اذا نطق الطبيب فأسكتوا العراف والفوال
رنين المعول الحجري يزحف نحو أطرافي
سأعجز بعد حين عن كتابة بيت شعر في خيالي جال
فدونك يا خيال مدى وآفاق وألف سماء
وفجر من نجومك من ملايين الشموس من الأضواء
وأشعل في دمي زلزال



لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الاعياء
خوالج كل نفسي ذكرياتي كل أحلامي
وأوهامي
وأسفح نفسي الشكلى على الورق
سيقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا
وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق
ورغم الفقر أن يحيا




ويا مرضي قناع الموت أنت وهل ترى لو أسفر الموت
أخاف ألا التكشيرة الصفراء والثقبين
حيث امتصت العينين
جحافل من جيوش الدود يجثم حولها الصمت
تلوح لناظري ودع الدماء تسح من أنفي من الثقبين




فأين أبي وأمي أين جدي أين آبائي
لقد كتبوا أساميهم على الماء
ولست براغب حتى بخط اسمي على الماء
وداعا يا صحابي يا أحبائي
اذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراء
وإلا فهو محض اسم تبدد بين اسماء
وداعا يا أحبائي


الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

الحجاب .. قصيدة الشاعر أحمد مطر ..

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام ))


 أنا بسمة ضاقت بفرحتها الكآبهْ.
أنا نغمة جرحت خدود الصمت
وازدردت الرتابهْ.
أنا وقدة محت الجليد
وعبأت بالرعب أفئدة الذئابْ.
أنا عِفة و طهارة
بينَ الكلابْ .
الشمس حائرة
يدور شِراعُها وَسْطَ الظلام
بغير مرسى
الليلُ جن بأفقها
والصبحُ أمسى !
والوردة الفيحاء تصفعها الرياح
و يحتويها السيل دَوْسا.
والحانة السكرى تصارع يقظتي
و تصب لي ألما و يأسا.
سأغادرُ المبغى الكبيرَ و لست آسى
أنا لستُ غانية و كأسا !


مُدي جُذورَكِ في جذورِكِ
واتركي أن تتركيها
قري بمملكةِ الوقارِ
وسَفهي الملِكَ السفيها.
هي حرة ما دامَ صوتُكِ مِلءَ فيها.
وجميلة ما دُمتِ فيها.
هي مالَها من مالِها شيء
سِوى ( سِيدا ) بَنيها !
هي كلها ميراثُكِ المسروقُ:
أسفلت الدروبِ ,
حجارةُ الشرفاتِ ,
أوعيةُ المعاصِرْ .
النفطُ ,
زيتُ العِطرِ ,
مسحوقُ الغسيلِ ,
صفائحُ العَرباتِ ,
أصباغُ الأظافرْ .
خَشَبُ الأسِرةِ ,
زئبقُ المرآةِ ,
أقمشةُ الستائِرْ .

غازُ المدافئِ ,
مَعدنُ الشَفَراتِ ,
أضواءُ المتاجرْ .
وسِواهُ من خيرٍ يسيلُ بغيرِ آخِرْ
هي كلها أملاكُ جَدكِ
في مراكشَ
أو دمشقَ
أو الجزائِرْ !
هي كلها ميراثك المغصوبُ
فاغتصبي كنوزَ الاغتصابْ .
زاد الحسابُ على الحسابِ
وآنَ تسديدُ الحسابْ .
فإذا ارتضتْ..أهلاً .
و إنْ لم ترضَ
فلترحَلْ فرنسا عن فرنسا نفسِها
إن كانَ يُزعجُها الحجابْ


 

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

هذيانُ فَقيرٍ

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
((الصديقة الزهراء عليها السلام ))





الأهداء ..
رغم إنكم لن تقرأوها ..
إلا إني كتبتها لكم ..
 إنتم ياسبب جمال القصص ..
ويامادتها الدسمة ..
لكم ايها الفقراء ..






 منذ عام لم أذق أي رغيف..
 لم أعش إلا على وقع الخريف..
في العراء النوم قد طاردني بالأخص فوق منتصف الرصيف..




لايهم قد أموت بعد زخات مطر..
قد أعيش عازفا دون وتر..
قد ارى الشمس غدا او لا أراها..
ترتمي عند رصيفي ترتجي مني رجاها..
ولكن..
 سوف لن أغوى بها اوبسواها..
أنني أحيا عديما كل شيء كل شيء لكنني يا سامعي جدا عفيف..







أنني أحمل فقري تاج فخرٍ فوق رأسي..
يكفني اني أنام وسطَ ترتيلات نفسي..
وصلاتي تحرس الايام لي تحرس أمسي..
 والى جنبي دعاء .. مسبحةٌ .. بعض آيات عظيمه..
 تصنع من برد حياتي درع صبر درع بأس..






 أنني سوف أموت عند قارعة الطريق..
سوف يأكل جثمانيَ تمساح حريق..






 سوف يأتي حرس الليل ويقولوا لم يرحنا في حياته..
وكذا حتى وفاته..





أن هذا ليس ملكا الضعفاء انه للمترفين..
كيف مات عند ملك ألآخرين؟!..




عجبا ماذا دهاهم؟
جاءني حتفي هنا دون علمي او رضاهم؟
عارضوا الموت وعزرائيل في مشتاكهم!




لا .. لابأس علي..
سيموتون جميعا مثل موتي الدموي..
ويكون الفجر  نعشا للفقير الآدمي..
 مثلي تماما سيموتون جميعا فوق منتصف الرصيف..‏



زهراء .. 27\9\2011

الأحد، 25 سبتمبر 2011

للحسيـــن فقط ..

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام ))





الكل يعلم إني لا أطيق الحزن بل وأكرهه ..
إلا حزنك العاشورائي فهو يسرق خوفي .. يبدد تيهي .. ينشر الطمأنينة في نفسي .. ويُسَكّن روحي ..
ترتجف جوارحي .. ولهة .. متلهفة .. صادئة .. تائهة .. وتجد فيك وقرب ضريحك  كل ماتريده ..




عندما أنظر إلى قبتك فإن دفئاً أبوياً حنوناً يتسلل إلى أعماقي .. يزرعني بذرة هدوء في أرض طمأنينة .. يحتويني وكإني بين أجنحة الملائكة! , يغمرني بك .. بكل كبريائك .. بصمودك .. ببقائك رغم إنف السنوات ..





آهٍ .. كم أشتاق لشهرك .. كم تستهويني أحرفه ! , كم أستلذ بإلم حزني به عليك ..
أشعر بإن كل ذنوبي تُغسل .. وبإن روحي تنطلق من سجن خطاياها .. بل أصل إلى الملكوت وسط أمواج بحر دموعي على متن سفينتك .. يا سفينة النجاة ..





كيف لا أحبك ؟ .. ومن أنا كي لا أحبك ؟ والله يحبك .. الله بجلاله وكبريائه بعظمته .. بإتساع ملكه .. يحبك .. فلولا إنه يحبك .. لما رفعك لهذا المكان العلي .. ولما جعلنا "مجانين"بك بالفطرة .. ولما جعلك الذبح العظيم .. الذي تستمر من خلاله رسالة الإعتدال والسلام ومجابهة الحراب ..





سيدي .. مولاي .. أبي ياحسين .. أنا لا أفهم لغة إلا لغة قلبي وهو يهفو إليك بلا إرادة .. ودون أي أجبار .. وبغير أي ترغيب .. لا .. هو إختارك .. بفطرته .. بحزنه .. بحبه لخلودك ..





سيدي .. عندما أشتاق لضريحك .. فإني أهرع إلى خزانتي  .. أستخرج منها علبتي الجميلة .. أفتحها .. أزيل وردتين وضعتهما فيها .. أبحث كالمجنونة عن شيء هو أغلي ما أهُدي لي .. أسترق النظر بكل زواياها .. أدس أصابعي .. أتحسسها .. فألتقطه .. ألتقطه .. وتعود نبضاتي لسابق عهدها .. مطمئنة .. بينما تُرخي عيوني دموعها كما تشاء .. وأخلو بصمتي وهديتي النفيسة النفيسة جداً "تربة من قبرك " .. وإن كان قليلاً جداً فهو عندي غاية المنى ..



أشهق .. أنشج .. أبكي .. أشم تربتك .. أبثك مالدي .. وأهمس في رحمة أبوتك إني مشتاقة لحضرتك .. لضريحك .. لإصوات التلاوات والدعوات وهي تنبعث من كل مكان في قبرك .. إلى ذلك العطر الذي يعم المكان .. إلى زحام الملائكة .. ولهفة العاشقين . .




آهٍ .. ليتني .. ليتني لا أفارق ضريحك ثانية واحدة .. ليتنني أسكن هناك فقط .. ولا أبرح مكاني حتى يقبضني الله إلى رحمته ..



أود .. أود إن أنظر لكل لمعة من ذهب قبرك .. أريد إن أشم كل جزيئة هواء تدور في فنائك ..  أريد إن أرمق كل زاوية في مشهدك .. أريد إن أمشي على كل شبرٍ من تلك الأرض .. أريد إن أستلهم الدفء من إنعكاسة كل ومضة في قبتك .. أريد إن أحتوي كل شيء .. كل شيء هناك .. عندك ياحبيبي .. ياحسين ..

جميلة .. جميلة أيامي بك .. رغم كل حزني عليك .. أنا لا أبالغ .. وحق دمك .. وإنت تعرفني يامولاي .. تعرف هذه الذليلة الصاغرة زهراء إذا قالت " وحق دم حبيبي الحسين " فإنها تصدق ..
فوحق دمك ياحبيبي ياحسين .. إني مشتاقة لزيارتك .. خذني إليك ..


السبت، 24 سبتمبر 2011

ذوات متعددة ..

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام ))


عبثاً حاول الهروب من وحدته التي تطوق وجوده , قصد البحر وأطال الجلوس عند ساحله , أستقبل الأمواج باسترخاء كي تعانق رئتيه النسمات العذبة , ولكن دون جدوى!


دس أصابعه بين الرمال فشعر إن ثمةَ شيئاً ما مدفونٌ تحت يده , أستخرجه بقوة , أستغرب عندما رآى قنينة "كولا" فارغة محكمة الإغلاق في داخلها ورقتان مطويتان إلى جوار بعضهما , فضول وحدته وعطشه لمعرفة أي شيء وإن كان تافهاً أو شخصياً جعله يفتح الزجاجة ويستخرج مابداخلها , كانت الورقة الأولى متوسطة الحجم , بيضاء , مخططة بخطوط حمراء , وعليها كلمات مكتوبة بالحبر الأحمر
: صديقي العزيز .. توفت زوجتي ورُزقت بحفيده  قبل أسبوع .. إنتظر قدومك ..


فتح الورقة الثانية وقرأ فيها :

صديقي العزيز .. أعزيك بوفاة زوجتك .. وأهنيك بولادة حفيدتك .. يا لغرابة الحياة! أنا أيضاً فقدت زوجتي ورُزقت بحفيدة قبل أسبوع! , ألهذه الدرجة نحن متشابهين ؟ ! .. أعتذر لإني لا أستطيع القدوم ..
وضع الورقتين أمام عينيه , وأستنتج إنهما كُتبتا بنفس الخط , والأسلوب , وحتى ذات اللون! , فأيقن إن كاتبهما شخصٌ واحد .. شعر بالحزن وغمره الأسى لإجل ذلك الرجل ومن كم الوحدة الهائل الذي يحيطه لدرجة إنه يكاتب نفسه! ..

أخرج من محفظته ورقة متوسطة , خطوطها حمراء , وإنتزع قلمه الفاخر ذي الحبر الإحمر من جيبه وكتب :
أنا صديقك الجديد .. وحولي من الوحدة مايقتلني .. لذا فإنا أنتظرك هنا ..

طوى الورقة وأرقدها إلى جانب إختيها في الزجاجة وأخفاها تحت الرمال , ثم نهض ورحل على أمل إن يأتي في الغد ويجد صديقه الجديد ..!!

الخميس، 22 سبتمبر 2011

ذاكرتي//النجف الأشرف


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام ))

لازلت أتذكر جيداً , كان الوقت منتصف الليل تقريباً , الشوارع شبه خاليه , والمحلات مغلقة والبيوتات يكتنفها سكون النائمين , أما موجة البرد التي فاجئتنا وقتها فكانت لاتوصف حقاً , لدرجة إن ألإسنان كانت تصطك ببعضها وموجة برد الليل هذه حالة إعتيادية في النجف الأشرف الذي يشهد تقلباً حرارياً غريباً "من وجهة نظري" فهي صباحاً أرضٌ لاهبة الحرارة تجعلك تتعرق بغزارة وتعطش بشدة ومساءً عينٌ من القطب الجنوبي"كما لاحظت هذا في زياراتي المتكررة لها بحمد الله" ..
هذا البرد جعلنا نحن ركاب الحافلة المتعبة من طريق سفرٍ طويل نتفرق في إتجاهات شتى ونحاول سلوك أقرب الطرق لبلوغ مأوى , كانت ‘ملية إيجاد فندق أمراً شبه مستحيل وسط البرد القارص ذاك أولاً و ثانياً لإننا كنا بعيدين عن مرقد أمير المؤمنين عليه السلام , هذا أمر والأمر الآخر الذي يشق عليك النزول في حسينيات أو أماكن ضيافة زائرين هو إن  النجف وقتها كانت مدينة يُستهدف كل من فيها بجرم عشق آل البيت.. لذك فمن الطبيعي إن يلحظ الزائر الذي زارها في السابق "قبل إثنتي عشرة سنة و آلان مثلاً" فرقاً شاسعاً كما بين السماء والأرض , لإنها في السابق كانت مدينة موحشة , مليئة بالحزن والغضب والشجاعة المتخفية في أبدان الأبطال , وكثيراً ما تخلو شوارعها من المارة نتيجة القمع التعسفي ليلاً , بالإضافة إلى القصص الغريبة التي كانت تُحاك حولها نظراً لإتساع رقعة المقبرة ..


أما آلان فهي مدينة حية , نابضة , جميلة , تمشي فيها صادحاً بولائك لا تخشى من كل حروب الدنيا وحرابها لإنك تشعر بالأمان والرحمة والطمأنينة فإنت في رحاب حامي الحمى .. وروحية المكان تغلب على كل ماسواها أي وصف مختلف لليلتنا تلك عندما قررنا إن نبحث عن البيوت التي المخصصة لاستئجار الزائرين وإن ننزل ببعضها , ولكن كل البيوت القريبة من مكاننا كانت مليئة , بقينا واقفين على الرصيف وفي أبداننا من التعب ما لايقُاوم "خاصة أنا فوقتها كنت طفلة صغيرة " .. في محاولة يائسة نوينا عبور الشارع والسؤال في الجهة المقابلة عن مأوى , ولما نعبر الشارع حتى صادفنا شابٌ لا أظنه يتجاوز الحادية والعشرين من عمره إنذاك"بدا من شعره المُقصر ولحيته إنه طالبُ حوزة علمية , هذا بالإضافة إلى كل سيماء الصلاح التي بانت عليه , سألناه عن مكان نستأجر فيه غرفة للإقامة أو فندقاً قريباً أو حسينية حتى , جال ببصره قليلاً "كإنه محتار"ثم قال بثقة وشهامة : تعالوا معي ..
إنهالت عليه الدعوات والرحمات من بقية ركاب الحافلة الذين لم يجدوا مأوى بعد , وأظهر هذا مزيداً من تواضعه وحُسن خلقه , كان المنزل منزل أهله وهو مقابل الرصيف حيث كنا نقف تماماً , وأشكُ لغاية آلان إنه بيت عائلة دينية علمية قد تكون معروفة في النجف , فكل شيء فيه يُشير إلى هذا الإستنتاج .
أقمنا ليلتنا هناك وسط ضيافة وحفاوة وإكرام وبركة , وطل الصبح علينا سريعاً وعندها ركضت القلوب قبل الأرجل إلى مرقد أمير المؤمنين عليه السلام وتشرفنا  بزيارته وتقبيل ضريحه ومباركة العين بمنظر مشهده ..

وبعدها كان لقبور الأقارب نصيب ..

عدنا بعد ذلك إلى المنزل أخذنا حقائبنا وأمتعتنا وخرجنا من  لإن أهله وقتها كانوا يستعدون للتحضير لمناسبة خاصة .. وأنطلقنا بعدها إلى كربلاء  ..

كان ذلك الموقف موقفاً نبيلاً وشهماً .. مليئاً بالإنسانية والرحمة .. في النهاية بودي إن أشكر ذلك الآخ الشاب الذي رحمنا من جبروت البرد وقتها .. إن كان شهيداً فأسأل ربي إن يرحمه .. وإن بقي حياً حتى الآن فأسأل الله إن يجازيه حسناتٍ وحسناتٍ وحسناتٍ على حُسن فعله .. 

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

المُتَسَــــولُ ..

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
((الصديقة الزهراء عليها السلام))

رأيته بالأمس .. هو , بكيانه , بملامحه التي تُصيبني بالقشعريرة , بكل وجوده الذي يفجر إشمئزازي الصاخب من وجوده العابث في حياتي , من كل ذكرياته الملتفة حول عنقي تغرس اشواكاً من الشجو لتمنع الأوكسجين من بلوغ رئتي ,
سنوات طوال مررن على كل ماجرى بيننا وأحداث كثيرة وقعت , أغلب ماحولنا تغيير بما في ذلك قصري الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى خربة رطبة وآيلة للسقوط تجعلني أصافح المطر في الشتاء وأصادق الحر في الصيف ,
 زوبعة شرر إنطلقت من عيني ماكان لها تفسيرٌ سوى إنها غضبٌ شبيه بغضبي السابق قبل عشرين عاماً عندما كنت مزهوة بزينة الحياة الدنيا وهي تغرقني بلذة التمسك بالبقاء والغرق فيها والتعالي على كل من لايملكون أحد قسميها بما في ذلك هو حينما كان ينتظر خروجي من شركتي الخاصة محفوفة بالأخوة والزوج والأقارب والموظفين الذين لايملكون غير التملق لي حتى أفقدوني قدرتي على رد سلام بسطاء الناس أو النظر إليهم كإدنى حد! , فمن هم ومن هو بالذات ذلك الشاب الذي فقد قدمه اليمنى نتيجة إنفجار لغم أرضي حرمه من عمله وهو أبن ثمانية وعشرين عاماً ولايمتلك قوت يوم لإعالة ثلاث أخوات وأم لإرد عليه سلامه أو أرى طلبه أو أقتطع دقائق من وقتي المحشو بضوضاء الارقام والحساب لإحادثه , إنه قادمٌ للإستجداء , فثيابه التي غبرتها الأيام وأكلت عليها صيحات الموضة السحيقة أوحت لدماغي المتعجرف بذلك , ولأنه كان يحاول وبشدة محادثة أخوتي وزوجي وإنا في إنتظارهم بمقعد السيارة الخلفي ويسرق وقتاً لايُستهان به من لهثي وراء العملات كنت أترجل وأوبخه وأهينه وأصب جام غضبي عليه .. ثم أصعد لسيارتي وأنا أتوق لإفراغ معدتي أكثر من توقي لإي شيء آخر نتيجة منظره المقزز ..

لم يكن شخصاً هاماً مطلقاً , بل هو قرين المنعدم , حتى عندما غاب لسنتين تقريباً ماكنت سأتذكر ذلك المتسول  لولا ترملي وثكلي بزوجي الذي رحل بمرضٍ قاتل كي أتصدق عن روحه , فمن الطبيعي إن لا أتذكره إلا في هكذا وقت لإن البشر لايتعظون بسهولة ولاتنبع إنسانيتهم إلا عندما يفقدون عزيزاً وتُكسر دواخلهم الفارغة , فيندمون بسرعة على ما مضى , ويحاولون ترميم مابقي من ذواتهم , لكنهم سرعان ماينسون ويعودن إلى اللاذكرى , وحتى أنا بعد إنتهاء عدتي وعودتي للتقوقع في عالم الأرقام والحسابات والربح والخسارة عدت لعهدي السابق فلم أكن أكترث للمتسولين ولا أجد أهمية لوجود الفقراء في حياتنا , بل كنت أؤمن بإنهم حشرات يجب إن تُباد قبل إن تصيب الأرض بتلوث إجتماعي نتيجة لتخالط البشر الفطري والذي لايستطيع أي إنسان أن يتغلب عليه لإنه فطرة أودعها الله تعالى في قلب كل آدمي (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ..

قبل زواجي الثاني لم أكن أعرف الصلاة , ولم أكن أحفظ إلا آيات قلائل من القرآن , ولم أكن أخرج لإرفه عن نفسي مع طفليّ اليتيمين , بل إني لم أكن أفكر إلا بالمال , حتى إني لم أوافق على الزواج في البداية , وعندما وافقت لم أرَ العريس مطلقاً إلا في يوم عقد القرآن لإن الصفقات والمشاريع سرقتني من الترتيب لهكذا حدث ..

ومع هذه التغيرات الأجبارية التي خضعت لها بإصرار زوجي فإني بقيت من داخلي كما أنا , سلبية وعصبية , متكبرة , قليلة الكلام , وعلى الرغم من إني توقعت إن يتفهم زوجي التاجر الشاب غرق إمرأة مثلي في عالم المال صُدمت بعكسه , حتى إن صورتي عن رجال المال ونساء العمل تغيرت فدوماً ماكنت أتصورهم أشخاصاً مثلي , مشغولون ومتحيرون , قليلوا المكوث في البيت , يحبون الرسميات , ويتحدثون بلغة "نحن"تكريماً لإنفسهم الجوفاء!

خلق هذا جواً من المشاحنات والتوتر في علاقتي الزوجية , وغير مزاجي من السيء إلى الأسوأ وبكل بساطة بدأت أفكر بالطلاق بعد شهرٍ واحدٍ من الزواج , وكنت أعترف لنفسي فقط إن السبب يعود لي , وإنني أعاني من مشاكل نفسيه كثيرة , وعلي إن أحل هذا الرباط لكي لايُفتضح جنوني الداخلي ولإرحم زوجاً بمنتهى المثالية والرحمة ..

صارحت زوجي برغبتي في الإنفصال , قابل ذلك بهدوء تام ليس لإنه ضعيف الشخصية أو منعدم الرأي أو لايحبني , بل لإنه فهم وبذكاء حاد حالتي النفسية السيئة , وطلب مني أعادة التفكير بقراري و أخبرني بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ".... الطلاق يهتز منه العرش " , سخرت منه كثيراً , ونعته بعديم الرجولة , لكنه لم يحرك ساكناً وكنت أعلم إن وراء إن ماوراء هدوءه هو صبره على خُلقي السيء الذي سيهبه ثواب الشاكرين ..

مرت ثوانٍ قلائل ووردني بريد صاعق , فقد خسرت الشركة وأفلست , لإن أخي الشقيق , سرق كل مالدي وهرب , كانت لحظت عصيبة وأنا جالسة في مكتبي احاول أيجاد حل , أجمع وأطرح بدماغي وأضرب وأقسم على الورق , وأتحدث بإرقام أخرى بلساني وحولي ضوضاء موظفين تعربد بقول أرقامٍ أخرى , ولكنه كلها لن تفي بربع أحتياجات الشركة , ولن تكون قادرة على سد خمسة بالمئة من ديونها , كنت سأقع في طامة كبرى , لولا قدوم زوجي , الذي وهبني كل ما يسد ديني وينقذ شركتي المفلسة , والذي نبهني لإهم الأسباب المنطقية لخسارتي وهو إن مالي محرم وإن الله يمقت الربا!

ملك رقبتي بتصرفه هذا "لفترة وجيزة" فقد عادت غطرستي ما إن أعدت له ماله , طلبت منه الطلاق , فطلقني من فوري ...
غادر البيت وأنهيت عدة طلاقي وسط أرباحٍ طائلة في شركتي وأخبار إفلاسه بسبب إختلاس بعض الموظفين مبالغ طائلة من شركته , كنت "شيطانة"بإمتياز وقت سمعت عنه إنه يهوي ويهوي ويهوي يوماً بعد آخر دون إن أعرض عليه مجرد عرض المساعدة , بل كنت أتشفى بسماع أخباره السئة وأتلذذ بنكسته وخسارته مع أنه أحسن إلي غاية الإحسان , ولعل سبب افعالي المناقضة لإفعاله هو إنني فعلاً كنت مريضة نفسياً ..
أنتصر على شيطانيتي برحمانيته وحبه للخير .. فقد قبضت الشرطة على المختلسين وعادت حياته لسابق عهدها , بينما بدأ خطوة السفر و الإستثمار في الخارج مع بداية إنحداري نحو الخسارة الكبرى والإفلاس التام بعد إن عدت للمتاجرة بالربا وتجاهل كل ماعلمنيه أياه من حُرمة هذه العملية لعدم عدلها وضررها..

خرجت في المساء متأخرة من شركتي وصادفني متسول طلب مني مالاً فبصقت بوجهه وحذرته من العودة إلى الشركة مرة أخرى , ونسيت عمداً ماعلمنيه زوجي إن الصدقة تُطفأ غضب الله , وركبت سيارتي في المقعد الخلفي وأنا هازئة بكل شيء ..

صباحاً وجدت نفسي في السجن , متهمة بتهمٍ مالية شنيعة , ولا أملك ديناراً واحداً حتى , وخاسرة لكل شيء شركتي , سيارتي , قصري , مالي , أخوتي , ولدايّ , المتملقون! .. كل شيء .. لم أربح سوى عشرة أعوام قذرة في سجنٍ لم أكن يوماً أتوقع إن أقضي فيه ليلة واحدة! ..
خرجت وكنت لا أزال متكبرة , وفي من الغرور ما لايزال غير منكسر .. لجأت لإخوتي الذي أطعمتهم شهد مرارة تعبي ومشقتي فرفضوا وجودي الذي أصبح عاراً , بحثت عن ولديّ ووجدتهما في دار رعاية أيتامٍ خاص لايتقبل حتى مروري عليهما لإني سجينة سابقة , حاولت الألتحاق بإهل زوجي الأول لكنهم لم يستطيعوا تقبلي فدوماً ماكنت أكره وجودهم وإعتبرهم كائنات شبه حية يجب إن لا ألوث كفي بمجرد مسك كأس ماء في مطبخهم المتواضع ..

وقتها شعرت بالتيه , بالفقدان , بالإنكسار , بحق عدالة الله وبجميل جزاءٍ أستحقه , تبت بعد إن خسرت .. توجهت لله وصليت ركعتين .. وما إن سيطر علي سلطان الجوع جلست على رصيفٍ قرب الإشارة الضوئية المرورية ومددت كفي مرتجفاً ...بارداً... خجلأً يستعطي الناس , وسط منِ بعضهم , وكلام البعض آلاخر الجارح , ونظرة الإستعطاف أو الإستهزاء التي تلون وجوههم , من سيقنع هؤلاء إني كنت أملك رقاب مئات منهم ؟! وكيف سيفهمون الدرس الذي رسبت فيه ؟! وكم ممن الوقت علي إن أبقى هنا لكي أستكمل نوال جزائي تحت المطر والحر والبرد؟!

بعد إن أصابني الذل بكل إنواعه , تبرع لي أحدهم بخربة رطبة , مظلمة , عفنة , وسقفها منخور , عشت فيها ولازلت أعيش فيها حتى ليلة الأمس , عندما طُرق الباب ليلاً وفتحته بصعوبة , ورغم إن الظلمة وضُعف البصر أستحوذا علي إلا إني أستطعت إن أميز القادم , كان هو.. زوجي الثاني , الذي دخل خربتي بكل رحمة وأسف , وحاول إن يستنقذني لكني رفضت عطفه بجنون كبريائي الذي أكتشفت إنني لازلت أمتلكه , وحينها نطق بالحقيقة لإول مرة! , حقيقة أذهلتني , وحزت في نفسي المغرورة بأطلال ذكرى مالٍ حرام أعماني عن كل شيء , حتى إن أدرك إن زوجي الثاني كان هو نفسه ذلك المتسول ذي الساق المبتورة الذي كان يستعطيني وكنت أوبخه وأقشعر من قذارته وأزرعه وسط زوبعة غضبي , بالأمس فقط وبعد إن طردته من خربتي إكتشفت إن الله رفعه وغطى كل عيوبه وإغناه لإن نفسه صالحة , وإن الله إنزلني وأهانني لإن نفسي حقيرة , وإن علي إن أغوص بالعقاب هذا حتى نهاية حياتي وسط وحدتي وعماي القادم ..