الخميس، 22 سبتمبر 2011

ذاكرتي//النجف الأشرف


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام ))

لازلت أتذكر جيداً , كان الوقت منتصف الليل تقريباً , الشوارع شبه خاليه , والمحلات مغلقة والبيوتات يكتنفها سكون النائمين , أما موجة البرد التي فاجئتنا وقتها فكانت لاتوصف حقاً , لدرجة إن ألإسنان كانت تصطك ببعضها وموجة برد الليل هذه حالة إعتيادية في النجف الأشرف الذي يشهد تقلباً حرارياً غريباً "من وجهة نظري" فهي صباحاً أرضٌ لاهبة الحرارة تجعلك تتعرق بغزارة وتعطش بشدة ومساءً عينٌ من القطب الجنوبي"كما لاحظت هذا في زياراتي المتكررة لها بحمد الله" ..
هذا البرد جعلنا نحن ركاب الحافلة المتعبة من طريق سفرٍ طويل نتفرق في إتجاهات شتى ونحاول سلوك أقرب الطرق لبلوغ مأوى , كانت ‘ملية إيجاد فندق أمراً شبه مستحيل وسط البرد القارص ذاك أولاً و ثانياً لإننا كنا بعيدين عن مرقد أمير المؤمنين عليه السلام , هذا أمر والأمر الآخر الذي يشق عليك النزول في حسينيات أو أماكن ضيافة زائرين هو إن  النجف وقتها كانت مدينة يُستهدف كل من فيها بجرم عشق آل البيت.. لذك فمن الطبيعي إن يلحظ الزائر الذي زارها في السابق "قبل إثنتي عشرة سنة و آلان مثلاً" فرقاً شاسعاً كما بين السماء والأرض , لإنها في السابق كانت مدينة موحشة , مليئة بالحزن والغضب والشجاعة المتخفية في أبدان الأبطال , وكثيراً ما تخلو شوارعها من المارة نتيجة القمع التعسفي ليلاً , بالإضافة إلى القصص الغريبة التي كانت تُحاك حولها نظراً لإتساع رقعة المقبرة ..


أما آلان فهي مدينة حية , نابضة , جميلة , تمشي فيها صادحاً بولائك لا تخشى من كل حروب الدنيا وحرابها لإنك تشعر بالأمان والرحمة والطمأنينة فإنت في رحاب حامي الحمى .. وروحية المكان تغلب على كل ماسواها أي وصف مختلف لليلتنا تلك عندما قررنا إن نبحث عن البيوت التي المخصصة لاستئجار الزائرين وإن ننزل ببعضها , ولكن كل البيوت القريبة من مكاننا كانت مليئة , بقينا واقفين على الرصيف وفي أبداننا من التعب ما لايقُاوم "خاصة أنا فوقتها كنت طفلة صغيرة " .. في محاولة يائسة نوينا عبور الشارع والسؤال في الجهة المقابلة عن مأوى , ولما نعبر الشارع حتى صادفنا شابٌ لا أظنه يتجاوز الحادية والعشرين من عمره إنذاك"بدا من شعره المُقصر ولحيته إنه طالبُ حوزة علمية , هذا بالإضافة إلى كل سيماء الصلاح التي بانت عليه , سألناه عن مكان نستأجر فيه غرفة للإقامة أو فندقاً قريباً أو حسينية حتى , جال ببصره قليلاً "كإنه محتار"ثم قال بثقة وشهامة : تعالوا معي ..
إنهالت عليه الدعوات والرحمات من بقية ركاب الحافلة الذين لم يجدوا مأوى بعد , وأظهر هذا مزيداً من تواضعه وحُسن خلقه , كان المنزل منزل أهله وهو مقابل الرصيف حيث كنا نقف تماماً , وأشكُ لغاية آلان إنه بيت عائلة دينية علمية قد تكون معروفة في النجف , فكل شيء فيه يُشير إلى هذا الإستنتاج .
أقمنا ليلتنا هناك وسط ضيافة وحفاوة وإكرام وبركة , وطل الصبح علينا سريعاً وعندها ركضت القلوب قبل الأرجل إلى مرقد أمير المؤمنين عليه السلام وتشرفنا  بزيارته وتقبيل ضريحه ومباركة العين بمنظر مشهده ..

وبعدها كان لقبور الأقارب نصيب ..

عدنا بعد ذلك إلى المنزل أخذنا حقائبنا وأمتعتنا وخرجنا من  لإن أهله وقتها كانوا يستعدون للتحضير لمناسبة خاصة .. وأنطلقنا بعدها إلى كربلاء  ..

كان ذلك الموقف موقفاً نبيلاً وشهماً .. مليئاً بالإنسانية والرحمة .. في النهاية بودي إن أشكر ذلك الآخ الشاب الذي رحمنا من جبروت البرد وقتها .. إن كان شهيداً فأسأل ربي إن يرحمه .. وإن بقي حياً حتى الآن فأسأل الله إن يجازيه حسناتٍ وحسناتٍ وحسناتٍ على حُسن فعله .. 

هناك تعليقان (2):

سُبحات عشق يقول...

هنئاً لكم شرف زيارة أمير المؤمنين عليه السلام
تقبل الله منكم وأنجاكم بحقه .
:
والقصه جدا رائعه
وهذا الكرم ونبل الاخلاق ليس بمستغرب على أهل العراق .
الذين ضحوا بـ أرواحهم من أجل أهل البيت عليهم السلام
في تحمل الاذى وأشد أنواع العذاب
من الناصبين لهم العداء .
وجميلاً منكِ ذكر هذا الموقف
لانعلم مدى كرم هؤلاء الاحرار
مع كل الزائرين .

نسألكِ الدعاء
وأجرك المولى .

بيلسانهـ يقول...

سُبحات ..


روح الأخوة والإيثار والكرم .. زرعها أبو الأحرار ليس في ابناء العارق وحسب .. بل في قلوب كل محبيه ..


تضج ذاكرتي بمواقف ومواقف في طريقي من وإلى كربلاء والنجف .. لكن ربما هذا هو الموقف ألأشد رسوخاً في ذاكرة العائلة ككل لإنه من الطبيعي جداً إن يكون هذا الشاب وكثيرٌ من أفراد عائلته في عداد الراحلين آلأن ..


فكم من أصحاب نفوس كريمة قضوا .. ورحلوا .. بل لم يعرف لهم قبر ..


لمروركِ عطر جميل .. وأسعدني هذا التواجد ..