السبت، 31 ديسمبر 2011

عبــر الأثيـــر ..


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
((الصديقة الزهراء عليها السلام))



وأخيراً رن الهاتف .. بعد أسبوعين متتاليين من محاولاتها الفاشلة والتي كانت تُختم بـ(الهاتف مغلق أو خارج نطاق الخدمة) , بدت مرتبكة وغير متزنة وهي تسمع الرد :
_ نعم , تفضل .
_ آآ , آسفة , أليس هذا هاتف سهى ؟
_ لا , ربما طلبتي الرقم الخطأ .
أنهت الإتصال بعد الإعتذار , والقت بنفسها على سريرها تتنفس الصعداء وتستجمع كل الحروف التي نطقها وكيف نطقها , وتحاول إن تحلل شخصيته وتحكم على مدى لباقته وقوة شخصيته من خلال طريقة رده , سيطرت تلك المكالمة التي تعمدت إجراءها على تفكيرها لمدة ساعة كاملة ومنحتها سعادة وقتية قصيرة , فمن السخافة إن تقارن مكالمة مدتها لحظات قصار بشهرٍ كامل من محاولة البحث عن الرقم والتأكد من كونه رقمه الشخصي حقاً وطلبها أياه لآلاف المرات ! , لكن مع ذلك كانت راضية عن النتيجة كخطوة أولى نحو الهدف .

هرعت إلى مذكرتها التي أحضرتها لها والدتها من (روسيا) خلال قدومها الأخير والذي خصصته لقضاء عطلة مميزة معها بعد خمس سنوات من الغياب عنها والإنشغال بمسؤولياتها الأخرى التي تبدو أكثر أهمية منها , فتحت المفكرة على صفحتها الأولى وقد خطت لها والدتها بيمينها كلمات تعشقها نبعت من ثغر رجل هي مجنونة بعشقه فطرياً : ( من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد؟!) , أدارت الصفحة الأولى التي ملأتها سكينة وسطرت على الصفحة الثانية كل شاردة وواردة من المشاعر والإختلاجات عن تلك المكالمة التي أجرتها , ثم تركت الصفحة مفتوحة وقامت لتشرب بعض الماء , حين دخلت والدتها الضيفة برفقة جدتها (الأم) الى الغرفة وقرأت محتوى الصفحة وأنهالت عليها بالتقريع والتوبيخ والإهانات وحرمتها من هاتفها النقال ثم حزمت أمتعتها وعادت الى روسيا بعد يومين من ذلك ,

كان عليها إن تُكمل هذا المشروع بإي صورة ودون إن تبرر لإحدٍ سبب فعلها أو حتى إن تشرح على الأقل لإحدهم من هو ذلك الشخص ولمَ تتصل به ولماذا آلان بالذات بعد ثلاث وعشرين عاماً من الإستقامة المشهود لها بها ؟! ,
_ أين العهد ياحفيدتي ؟
_ لايزال موجوداً , عهد الثقة الذي بيننا وهو إن لا أرتكب خطأ أبداً .
_ ومالذي فعلته غير الخطأ ؟
_ بإمكاني إن أكذب وأقول إن ماقرأته أمي ليس سوى قصة قصيرة كتبتها في المفكرة وأستغل حبكِ لي وأسترجع هاتفي , لكني لن أكذب أنا فعلت ماكتبت بحذافيره , لكني لم أخطأ .
_ وماذا يكون الخطأ أكبر من أن تهاتف فتاتاً شخصاً ما ؟
_ لتكن ثقتكِ بطهارتي أكبر من كل شك .
أسترجعت هاتفها وأنتظرت المساء ليحل , ملهوفة أنكبت على الرقم تطلبه ودون إن تنتبه إن كل كيانها كان "خفقاناً"و"سروراً" , لم تدري كيف توطدت صلتها بمجرد (كلماتٍ عن هذا الشخص)و(مكالمة صوتية للحظات مع هذا الشخص)إلى هذا الحد من الجنون الحنون والشوق المفرط
_ نعم , تفضل .
_ لا أدري من أين أبدأ !
_ أعيدي تربية نفسكِ , هذه هي البداية , ولاتتصلي مرة أخرى .
_ ليس من حقكِ إن تطلب مني إن لا أتصل بك !
_ لماذا ؟
_  لإنه واجبي .
_ ماذا ؟ ولماذا ؟
أنهت المكالمة , وأتجهت لمحراب صلاتها , مليئة بطمأنينة غريبة مولوجة بروح سكون لاتوصف , لعدة أسباب وليست المكالمة الثانية وحدها هي السبب بل ربما لإنها على موعد مع معشوقها الأول ( الحسين ) في الغد , إنه مغروس في قلبها بصورة غير إرادية وحبها له دائماً مايذكرها بقول جده صلى الله عليه وآله وسلم : (حسينٌ مني وأنا من حسين ) , فهي تجد في هذه المقولة جمال الإمتداد البشري عبر الأجيال التي يتركها الإنسان خلفه وعن روعة تركه لبقاء صالح وذكرى جميلة إن رحل , تماماً كالحديث عن زهرة ذابلة بقي عطرها الجميل مستحوذاً على خلايا الحس كلما طرق الروح ذكرها .

قادتها اللهفة نحو هاتفها بعد إن عادت :
كنت لدى حبيبي الحسين .
_ أتحبينه ؟
_ ومن لايحبه ؟
_ غريب إن فتاة تحب رجل الإباء تهاتف رجلاً !!
_ لست ككل الرجال !

مرة أخرى كان عليها إن تنهي مكالمتها وإجباراً هذه المرة لإن جدتها قبضت عليها متلبسة بالجرم المشهود وفي آخر جملة لاتحتمل تفسيرين " لست ككل الرجال" , وبختها أشد التوبيخ , وأهانتها بكل الإهانات المتاحة لديها "وهذا من حقها" وفي النهاية ضربتها ,
لجأت لمفكرتها طوال أسبوع من الألم , مفكرتها بدت سلوتها الأخيرة في عالم لايستطيع فهمها , وحتى إن حاول أحدٌ فهمها فلن يكون بمقدوره إن يجد أي تفسيرٍ مقنع وطاهر لـ"لست ككل الرجال" هي في النهاية تهاتف رجلاً مهما كانت الأسباب والدوافع والغايات , وليس ثمة أحداً مضطراً لإن يفتش في إحتمالية وجود تفسيرٍ آخر لتلك الجملة الكارثة ..

_ كنت أتصور إن وقوع الإنسان في الخطأ محدد بعمرٍ معين , لكن الحقيقة الماثلة أمامي ياحفيدتي الكريمة (قالتها بإستهزاء) تفيد بإن الإنسان يمكن أن يخطأ في كل وقت .
موطئة الرأس أجابت :
يجب إن نجد تعريفاً مناسباً للخطأ , قبل إن نتهم الآخرين  بالوقوع فيه .
_ كان علي إن أحرمكِ الهاتف منذ البداية .
_ الخوف من الخطأ يولد الخطأ .
_ والثقة من عدم أرتكاب الخطأ تولد الخطأ !!.

كانت تشعر بالإختناق الروحي , تحتاج لهاتفها تحن لذلك الصوت , لتلك الطريقة المهذبة في الكلام بل وحتى في الإهانة , لم يعد بإمكانها الصبر أكثر , لذلك كان يجب إن تجد طريقة ما لتهاتفه حتى وإن ماتت من أجل تلك المكالمة , فهي آلان أمام قضية رد إعتبار وكشف حقيقة عفة وتعويض روحٍ عن حرمانها , تسللت لغرفة جدتها التي كانت في السوق وقتها وأخرجت الهاتف من الخزانة وأسلمت لروحها قبل أناملها طلب الرقم :
(الهاتف مغلق أو خارج نطاق الخدمة ) .
أغلقته وأعادته مكانه , دخلت غرفتها متوترة ومكبوتة وفي داخلها الف دعوة ودعوة لله على إن يكون بخير وإن غلق هاتفه لم يأت نتيجة حدثٍ سيء ,
ماكل هذا الضعف الذي أنتابها ؟ ولم هذا الإستسلام المفاجىء ؟ , لم يسبق لها إن كانت هكذا من قبل , ولإنها لم تعد تملك زمام نفسها غامرت مرة أخرى ودخلت غرفة جدتها وأستخرجت الهاتف وطلبت الرقم , وجاء الرد :
نعم , تفضل .
_ قلقلت لإن الهاتف كان مغلقاً .
_ لدي عائلة .
_ وأنا أريد إن أكون جزءً منها !!.
_ هل تحبين أحد أولادي ؟
_ أحبهم جميعهم !! .
_ ماذا ؟
قدمت جدتها فأنهت الإتصال على عجل وأعادت الهاتف مكانه وخرجت من الغرفة مسرعة وتظاهرت إنها كانت تجلس في الصالة , بدا كل شيء طبيعياً أول الأمر , إلا إن الكارثة كانت في إن الهاتف رن لإنها نسيت إن تغلقه , تلقت صفعة ممتازة من جدتها التي ردت على الإتصال :
نعم ؟ من تكون ياقليل الأدب , ألا تخجل من صوتك الخمسيني ؟ إن حفيدتي لبعمر إبناءك .
_ هي التي تلهث ورائي , قومي بتربيتها أولاً , إتصلت لإستفهم عن هويتها الغريبة وطريقتها المموهة في الكلام لا أكثر .
تسمرت في مكانها تلوم الأقدار التي لم تُسعفها في أكمال خطتها كما أرادت , وأوطأت رأسها خجلةً من جدتها التي لم يعد بإمكانها إن تصدق أبداً إنها ليست مخطئة , فإلانسان عندما يوضع في موضع لايُحسد عليه ينسى الطرق وألاليات المناسبة لدفع الشبهة عن نفسه لإن دماغه ينشغل في منطق الألم أكثر من منطق رد الألم ,
تقرر إن تنقل للعيش في بيت خالها ورغماً عنها فهناك سيكون الوضع أكثر قيداً وحرصاً , وهذه غلطة غبية , فالقيد يولد الخطأ أكثر مما يمنعه أو على الاقل يساهم بصنعه مع بعض الحسنات التي يتمتع بها القيد في البيئات الي لايحكمها "ضمير" ..
وقبل إن تغادر بدقائق أكتشفت إنها لم تتب أبداً بل ولاتستطيع إن تتوب , فالأمر ليس بيدها أبداً , إنه خارج نطاق سيطرتها ولايمكنها إن تحده , أستغلت فرصة نوم جدتها وأختلست هاتفها , طلبت الرقم الذي كان محفوظاً في الهاتف والذي لم يسبق للجدة إن طلبته من قبل فهو مجرد رقم لإسمٍ مهمل في تاريخ العائلة بل وخارج عن حيز حاضرها ماعدا حاضرها وماضيها ووقع روحها هي :
نعم , تفضل .
_ أنـ .. ..
_ ألن تتوبي ؟ , توبي لله يابنية .
_ لم يعد بإمكاني العيش على هامش الأحلام .
_ العيش على هامش الإحلام أفضل من العيش في منتصف صفحة الكوابيس .
_ أريد الكوابيس مادام تعنيك .
_ عنادكِ يشبه عنادي , بل أنكِ تشبهيني .
_ من الطبيعي إن أشبهك .
_ كيف ؟
_ لإني أبنتك ولإنك أبي .
دخلت غرفتها , أستقبلتها مفكرتها المفتوحة على صفحة بيضاء خالية من أي كتابة , أمسكت قلمها ووهبتها روحها مداداً من القلب كان كافياً ليملاً كل صفحات المفكرة بكلمات السعادة والفرح , لم تكن تعيش في الحياة إلا لكي تصل لهذه اللحظة اللحظة التي تجتمع فيها بإبٍ أفترقت عنه وهي بنت سنوات ثلاث , وأعقب ذلك فراقها لإمها وهي بنت خمس سنين لتعيش في حجر جدةٍ حنون أغدقت عليها من أعماق نفسها نقاءً وحناناً ووداً , آلان وقد جاءت هذه اللحظة التي كانت تتصور إن الحياة ستتوقف مابعدها , أكتشفت فيها إنها أكثر شوقاً للغد من أي وقتٍ مضى , وإن لديها من الأمل مايكفي لتبتسم حتى تنسى طعم الحزن , فاللحظة الهدف قد لاتعني مجرد الهدف وحده بل تتعداه لتشمل العيش على أشعة شروقه اللاغاربة , جميلة هي الحياة عندما يعيشها الإنسان على وقع عزف اللحظات , اللحظات التي تشكل الحد الفاصل بين الجنون والعقل والحب والكره والسعادة والحزن ,
_ هل كان الأمر يستدعي كل هذه المغامرة ؟
جاءها الصوت الذي طالما سمعته وشد روحها الى دفئه عبر الهاتف , لكن هذه المرة صاحب الصوت ماثلاً أمامها وفاتحاً ذراعيه , طالباً منها إن ترتمي إلى حضن أبوته الدافئ لتنهل منه عبق الحياة المستقرة على وقع دقات قلبه ,
عانقته وأرتمت بين ذراعيه , أستنشقت عبير الأمل من وجوده وقالت :
وجودك يستدعي بذل الروح لافقط المغامرة بها .



 بقلمي المتواضع 



الخميس، 22 ديسمبر 2011

إعـــترافٌ مُتــأخرٌ


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام))




" قصة بقلمي المتواضع "

اليوم وقفت أمام خزانة ملابسي في محاولة لإستعادة الذكريات أو ربما تحرشٌ بالقدر! , فقد أستوقفتني الألوان الجميلة والزاهية كشبابي الذي للإسف لم يذق جسده طعم الثياب الملونة منذ عامين , غافلتني يدي وأمتدت نحو الفستان الزهري وسحبته من مكانه بسرعة خلسة عن قلبي وخوفاً منه , أرتديته وتناغم مع عشرين عاماً من الجمال والطفولة المتأخرة والغُنج الساحر والعناد الذي طالما كنت أنت تحبه ..
سألتني أمي مستفهمة :إلى أين ؟
_ إلى المقبرة . .
_ المقبرة ؟ , إن لم تحترمي رأي الناس أحترمي الموت والموتى وأرتدي لوناً مناسباً ..!!
_ لدى الموتى مايكفي من الهموم والأحزان , إلا يكفيهم فراقهم لإحبتهم وعدم إستعدادهم لهكذا رحلة حطت على رؤوسهم فجأة !! لكي نذهب لزيارتهم مثقلين بدموعنا وويلاتنا!! , لماذا لانفكر إن نذهب لزيارتهم ونحن سعداء ونرتدي أبهى مالدينا ونخبرهم بكل الأشياء الجميلة التي تحيطنا وتحدث معنا ؟!
خرجت وأنا أؤمن بإني اليوم وأكثر من أي قت أحترم الموت , الموت الذي جعلني أقدر قيمة الحياة وقداستها وحق الله علينا في الحفاظ عليها لإنها ليست سوى روح من روحه تعالى وعلى إلانسان صيانتها , حقاً أنا أحترم الموت الذي طعنني وأنا بنت ثمانية عشر عاماً وفرقني عنك ليس لإنك لم تحترم الحياة بل لإن همجياً ما لم يرق له مداد قلمك الصريح وعمودك الفاضح لفعاله , هي معركة أنا لست طرفاً فيها مطلقاً لكني كنت الطرف الذي لم يشارك فيها وخسرها! ببساطة لإني زوجة صحفي كان يحمل كفنه داخل قلمه الذي أبى إن يكون أخرساً وربما كان قلمه الذي ظنه صديقه هو عزرائيله وعدوه مثلما كانت الأشياء التي حوله هكذا بما في ذلك أنا .. أنا التي كنت لا أجيد إلا قول : أريد , أتمنى , أطلب .. وكنت أنت بكل بساطة تقول :
على الرحب والسعة .
أنا التي كانت تكرهك بشدة وتمقتك أشد المقت لإنك تزوجتني رغماً عني وأنا بنت سبعة عشر عاماً وكنت أجعل من عنادي وتهوري وقلة صبري وتعصبي طريقة أقابل بها كل الأمن والحب الذي تغمرني به , وكإنك طفل فُطم على حبي أو عشق عنادي وسلبياتي كل سلبياتي الكثيرة التي جعلتني إنسانة أو طفلة لم تطع زوجها أبداً , إلا في حالة واحدة :
سننتقل للعيش في بيتنا إلى النجف .
_ كما تشاء ..
ترى لماذا النجف ؟ هل حببك حتفك بمدينة ستُدفن فيها ؟ , أم أنك وددت إن تعتاد على وحشتها لكي لاتجد صعوبة في التأقلم معها إن مُت؟! , كلها أسئلة دُفنت معك ومع ثمانية وعشرين عاماً من الحياة المفعمة بالتعب والمرار والخشونة واليتم والوصول بشق الإنفس .
لم يكن الطريق إلى قبرك طويلاً أبداً , فقد وصلت إلى هنا بسهولة , وها أنا أشعر بغبطة غريبة وراحة تسكنني وتحوطني وكإنها تلك السكينة التي كانت تلفني كلما دخلتَ بيتنا الصغير رغم كل عنادي وغروري ,وصدي لك ,
الحقيقة , إنني غبية وبإمتياز , ومن الجميل إن أعترف بهذا , فالإعتراف بالحقيقة دون أي ضغط حالة إنسانية رفيعة غاية في الجمال , والإعتراف خير من عدم الإعتراف , وعدم الإعتراف قد لايكون مُراً بقدر مرارة الإعتراف المتأخر الذي يلتف حول الروح والنفس ويقطع على الأوكسجين طريقه !! .. وها أنا أقف أمام شاهدك الجميل الذي تفوح منه رائحة الشباب المغدور والمغمور بالحب لإقول لك ولإول مرة أني ماعرفت قدرك ولم أقدر قيمتك وإن وجودك لاثمن له..