الخميس، 22 ديسمبر 2011

إعـــترافٌ مُتــأخرٌ


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام))




" قصة بقلمي المتواضع "

اليوم وقفت أمام خزانة ملابسي في محاولة لإستعادة الذكريات أو ربما تحرشٌ بالقدر! , فقد أستوقفتني الألوان الجميلة والزاهية كشبابي الذي للإسف لم يذق جسده طعم الثياب الملونة منذ عامين , غافلتني يدي وأمتدت نحو الفستان الزهري وسحبته من مكانه بسرعة خلسة عن قلبي وخوفاً منه , أرتديته وتناغم مع عشرين عاماً من الجمال والطفولة المتأخرة والغُنج الساحر والعناد الذي طالما كنت أنت تحبه ..
سألتني أمي مستفهمة :إلى أين ؟
_ إلى المقبرة . .
_ المقبرة ؟ , إن لم تحترمي رأي الناس أحترمي الموت والموتى وأرتدي لوناً مناسباً ..!!
_ لدى الموتى مايكفي من الهموم والأحزان , إلا يكفيهم فراقهم لإحبتهم وعدم إستعدادهم لهكذا رحلة حطت على رؤوسهم فجأة !! لكي نذهب لزيارتهم مثقلين بدموعنا وويلاتنا!! , لماذا لانفكر إن نذهب لزيارتهم ونحن سعداء ونرتدي أبهى مالدينا ونخبرهم بكل الأشياء الجميلة التي تحيطنا وتحدث معنا ؟!
خرجت وأنا أؤمن بإني اليوم وأكثر من أي قت أحترم الموت , الموت الذي جعلني أقدر قيمة الحياة وقداستها وحق الله علينا في الحفاظ عليها لإنها ليست سوى روح من روحه تعالى وعلى إلانسان صيانتها , حقاً أنا أحترم الموت الذي طعنني وأنا بنت ثمانية عشر عاماً وفرقني عنك ليس لإنك لم تحترم الحياة بل لإن همجياً ما لم يرق له مداد قلمك الصريح وعمودك الفاضح لفعاله , هي معركة أنا لست طرفاً فيها مطلقاً لكني كنت الطرف الذي لم يشارك فيها وخسرها! ببساطة لإني زوجة صحفي كان يحمل كفنه داخل قلمه الذي أبى إن يكون أخرساً وربما كان قلمه الذي ظنه صديقه هو عزرائيله وعدوه مثلما كانت الأشياء التي حوله هكذا بما في ذلك أنا .. أنا التي كنت لا أجيد إلا قول : أريد , أتمنى , أطلب .. وكنت أنت بكل بساطة تقول :
على الرحب والسعة .
أنا التي كانت تكرهك بشدة وتمقتك أشد المقت لإنك تزوجتني رغماً عني وأنا بنت سبعة عشر عاماً وكنت أجعل من عنادي وتهوري وقلة صبري وتعصبي طريقة أقابل بها كل الأمن والحب الذي تغمرني به , وكإنك طفل فُطم على حبي أو عشق عنادي وسلبياتي كل سلبياتي الكثيرة التي جعلتني إنسانة أو طفلة لم تطع زوجها أبداً , إلا في حالة واحدة :
سننتقل للعيش في بيتنا إلى النجف .
_ كما تشاء ..
ترى لماذا النجف ؟ هل حببك حتفك بمدينة ستُدفن فيها ؟ , أم أنك وددت إن تعتاد على وحشتها لكي لاتجد صعوبة في التأقلم معها إن مُت؟! , كلها أسئلة دُفنت معك ومع ثمانية وعشرين عاماً من الحياة المفعمة بالتعب والمرار والخشونة واليتم والوصول بشق الإنفس .
لم يكن الطريق إلى قبرك طويلاً أبداً , فقد وصلت إلى هنا بسهولة , وها أنا أشعر بغبطة غريبة وراحة تسكنني وتحوطني وكإنها تلك السكينة التي كانت تلفني كلما دخلتَ بيتنا الصغير رغم كل عنادي وغروري ,وصدي لك ,
الحقيقة , إنني غبية وبإمتياز , ومن الجميل إن أعترف بهذا , فالإعتراف بالحقيقة دون أي ضغط حالة إنسانية رفيعة غاية في الجمال , والإعتراف خير من عدم الإعتراف , وعدم الإعتراف قد لايكون مُراً بقدر مرارة الإعتراف المتأخر الذي يلتف حول الروح والنفس ويقطع على الأوكسجين طريقه !! .. وها أنا أقف أمام شاهدك الجميل الذي تفوح منه رائحة الشباب المغدور والمغمور بالحب لإقول لك ولإول مرة أني ماعرفت قدرك ولم أقدر قيمتك وإن وجودك لاثمن له..


هناك 6 تعليقات:

واحة خضراء يقول...

رحمة الله على زوجك الذي راح ضحية القلم، تذكرت أحد العراقيين الصحفيين الذين طُردوا ظُلماً من البحرين في الأشهر الماضية، انه لم يرغب بالعودة للعراق، لان هناك من يريد قتله، وذهب لدولةٍ اخرى.. فياعجباً لبطولةٍ هي لزوجك أن يقاوم الواقع وسلاحه القلم

ينقب المرء في الماضي ويفتح جروحاً فيها، ويبقى لحظاتٍ متأمِلاً فيها، يحاكيها، يلومها، يضحك معها، في النهاية هي ذكرى، تُعلٍّم المرء لما هو آت.

بيلسانهـ يقول...

أخي .. واحة خضراء ..

أنا أشكر لك هذا المرور .. وأشكر لك هذا التعليق السريع ..

حقيقة هي ليست واقعاً إنما هي مجرد قصة من وحي قلمي .. كتبتها وفاءً لكل من مات ضحية جنونه بقلمه البطل .. ووفاءً لكل شابة كانت ضحية جنون القلم وجنون الهمجية والتخلف ..

وهنا .. أنا سعيدة جداً لإني كتبت القصة بهذه الطريقة المؤثرة لدرجة نك تصورتها قصتي أو جزءً من واقعي وهذا مالايحدث معي حينما أكتب ..

واحة خضراء يقول...

توفقتِ في القصة (=
عموماً أنتِ لديك حسٍ أدبي جميل وواقعي وهذا ما لمسته عند أول دخولي لمدونتك

الحمدلله انها قصة، لانني ظننت انك تنعتي زوجك المرحوم، وأنه قتل مراهقتكِ بالزواج منك !

ومن باب ان للميت حرمة، فنعته بجروح قديمة لا تناسب افشاءها ..

الحمدلله انها قصة، وقصة اجدتِ أحداثها، بحيث أنكِ أثرتِ القارئ ليعلق، أثرتيه ليحاور احداثها ..


شكراً لكم

بيلسانهـ يقول...

أخي مهدي ..
شكراً لإنسانيتك وخُلقك الرفيع .. وتعاطفك مع القصة حين ظننت إنها قصتي ..


في النهاية أنا أحمد الله أيضاً لإنها ليست سوى قصة ..

غير معرف يقول...

عندما يكتب الكاتب بصيغة أنـــا فهو يشد القارىء أكثر وأكثر .. ويمنحه سلطة الحكم على تحليل النص كيف يشاء بصورة أكبر . . . . . . .

مؤلمة رغم أني أحببت محتواها ..
zainab

بيلسانهـ يقول...

زينب ,, وهل الكاتب إلا ساحراً بقلمه ؟!

له قدرة عجيبة على سلب الفكر وأسر الروح وحملها إلى فضاء حروفه ..



أما قصة الألم هذه فهي للإسف موجودة على أرض الواقع .. الواقع الذي بات يفرض نفسه على ارض الحروف وجمالها ويلقي بتأثيره عليها ...