بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام ))
أرتمت على سريرها تبحث فيه عن راحة تسكن بدنها , وتسرق منه آلام أعضائه المتزايده , أغلقت عينيها لتواصل عملية شرودها عن عالم نبذها ومجتمع لم يقدم لها شيئاً سوى إنه تركها وحيدة , أغلقت عينيها بشدة أكبر وحلقت مع النوارس البيضاء على ضفاف شاطىء الأمنيات الميتة والأحلام المنسية , أخذتها خفقات إجنحة النوارس إلى خفقات قلبها الذي لم يعرف عنه أحد سوى إنه عالم واسع من الحقد والكره والتعقيد والطبقية , ورغم إنها إعتادت على مثل هذه التهم الباطلة إلا إن نزفاً كسيل دجلة "سابقاً"ينبع من شرايينها المتفجرة كلما سمعت من حولها يثرثرون :
_ لقد كبرت , صبغ الشيب شعرها , أكلت التجاعيد وجهها , أنكمشت خلايا يديها , إنها عانس .
آلمها جرح هذه الكلمة والذي كان "ملك جراحها"وسحبها من عالم النوارس البيضاء وزجها إلى صبيحة يوم الأحد الساعة الثامنة صباحاً ,
تركت سريرها يبتلع الفوضى ويغص فيشرب مواقف عجلتها وتجهيزها نفسها للذهاب لعملها تتنقل بسرعة فائقة وتتعثر في طريقها بين المطبخ والحمام والغرفة , حتى صدح صوت منبه سيارة العمل .
ركبت السيارة , وأمعنت النظر كالمعتاد في الأشجار التي تزين الطريق , وبإشعة الشمس وهي تغزو مغارات الظلام وتغسل بخيوط تفاؤلها غل القلوب السوداء , وأزداد تشبثها بصمتها مثل كل يوم كي تهرب من حضور الغيبة والنميمة الصباحية التي تنتج عن سلسلة أحاديث مترابطة وطويلة تؤدي بطريقة مقصودة أوغير مقصودة إلى الوقوع في شراك الإغتياب وكأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يقل " أجتنب الغيبة فإنها أدام كلاب النار "
وصلت إلى مكتبها , لم تفه بسوى السلام , وجلست بمنتهى الهدوء , إنعزلت عن العالم الذي يحيطها خشية إن تنغرس فيه فيطعنها خنجر إستهزائه من وحدتها , وإنفرادها ومن ثيابها السوداء التي لم تخلعها منذ عشرين سنة , لإن أحداً لم يطلب منها إن تتخلى عن السواد .
تذكرها إنها لاتزال تتشح بالسواد أهبطها من منحدر السنوات الشائخه إلى وادي الصبا والوردية التي تغلف كيان إنسانة بدأت تنمو كإنثى يتحدث عن جمالها الكل , ويتعجب الكثير من عشقها ومحبتها للإعمال المنزلية الصعبة والشاقة في بيئة الريف , لم تكن تشعر بسوى بالرضا والفخر والزهو وهي تقطع الطريق مع صويحباتها إلى الشاطىء كي يأتين بالماء حملاً على رؤوسهن , تضحك ضحكة تذكر بالنرجس والذي كان كأنه يُرسم على خديها وهي تتسابق معهن , وتغلبهن , ثم تستريح وأياهن في منتصف الطريق وتعود أدراجها معهن إلى الشاطىء كي تملأ الإناء بالماء فقد أنسكب نصفه وهي تمازحهن , لم تكن تبالي إذا زُجرت لتأخرها فلديها من السعادة مايكفي لترقع به رتق الزجرة , لم تكن تأبه إن خاصمتها الشمس فلديها القمر تجالسه طوال الليل تحده عن ضحكاتها وأعمالها وأمنياتها , و .. و .. و... حتى تمل ويمل القمر ..
لكنها لم تكن تعلم إن لكل شيء نهاية , وإن مابدأ اليوم لابد إن يطاله الإضمحلال والذبول غداً , وإن حياتها الزاهية ستنال طعنة في خاصرة روحها بموت زوجة إبن عمها الوحيد , والذي يكبرها بخمسٍ وعشرين عاماً , وفوق هالة القباحة التي تحيطه حام بخله وقذارته وجفافه وتعاليه وكبرياؤه , وزاد الطين بلة أولاده الست ومن المطبعي إن بعضهم يكبرونها أعواماً , مع كل هذه المميزات السلبية تقدم لخطبتها , رفضته طفولتها الناضجة وشبابيتها الحديثة الولادة , لم يكن أمامه عمل يكسر به شوكة وجودها سوى منعها من الزواج " النهوة" , وكأنه بهذا الفعل عادى الله والنبوة والإنسانية ,
مرت عشر سنوات , ونالت يد عزرائيل من والديها , ولحقت بإصغر أخوتها إلى المدينة , عاشت مع عائلته في بيته , لم تكن أكثر من خادمة تحمل وصف العمة , ولم يكن الوضع مقتصراً على تقديم الخدمات والعمل الشاق بل إن الإهانات كانت تنهال عليها من كل من حولها , وعاشت ككيانٍ ثانويٍ في ذلك البيت , بينما الكل حتى الرضيع كان كياناً أساسياً !.
آلمها وهج الذاكرة , فحملت حقيبتها وعادت إلى المنزل , أرتمت على سريرها , و كانت النوارس بإنتظارها , ولم تحلق بعد , أغلقت عينيها وإستمعت لخفقات أجنحتها وبدأت الرحلة .
هناك 3 تعليقات:
مثقلة بجراحاتها
جراح المجتمع
الذي يكون المرء فيه بعض الأحيان منبوذٍ منه لا لشيء سوى همز ولمز الشيطان
لتصبح في مكان لا يقدر حجمك الذي لابد ان تكون فيه
شكراً لك زهراء على هذا النص الجميل ..
هكذا هو المجتمع قاتل في الغالب .. ولايقدر معنى التغيير ( الصحيح ) الذي لايخرج عن إطار الدين والقيم ,,
شكراً لك أخي على مرورك في صفحاتي .. ودامت واحتك خضراء ..
نصٌ يجذب ..
إرسال تعليق