السبت، 14 يوليو 2012

وسائل الحداثة وتأثيرها على الأسرة ...


كل شيء يتغير , ولايبقى على حاله أبداً , وبالإخص وسائل التطور  والتواصل , وهذه الوسائل تدخل الى البيوت  بصورة وأخرى , وإن أختلفت نسبة كثافة تواجدها ودخولها فإنها بالنهاية تدخل وتندمج في الحياة الخاصة بالإنسان وبإدق تفاصيلها ,
تسرق من وقته الكثير , وتشغل ذهنه , وتتُعبه , لكنها أيضاً تفيده بمعلومات تهم دينه ودنياه وحياته وغده بالإضافة إلى إنها تسليه وتُزيل عن قلبه متاعب وهموم يومه , وتنقله إلى فضاء رحب وواسع لايجعله يرضا بحياته وحسب بل يحمد الله تعالى لإنه يعيشها , لإنه يقرأ ويشاهد الكثير من القصص الغريبة والمريبة والتي هي أبعد ماتكون عن فردوسه الذي يعيشه ’
هذا هو التأثير الإيجابي والسلبي على حياة الإنسان نفسه من دخول وسائل التطور إلى حياته مثل الأنترنت والهاتف المحمول , لكن المشكلة هي في تأثيراتها البعيدة المدى على الأسرة ,
فالإسرة التي يجب إن تجتمع بكل وقت فراغ متاح لديها أصبحت تقتنص مثل هذا الوقت لتدخل إلى بوابة الفرح والبسمة والإنقاذ "بالنسبة لإهتمام كل واحدٍ في أفراد الأسرة" ممايقلل الوقت الذي يجب إن يتشاركوا فيه الجلسة ومناقشة المشاكل والأحداث التي تهم كل شخص فيهم , كما إن إنعزال الإفراد وغرقهم في بحور العوالم الإفتراضية يقلل فرصة مراقبة حال الفرد آلاخر وفيما إذا كان على مايرام "أخلاقياً وصحياً وإجتماعياً"
ومع الوقت سيعتاد جميع الإفراد على جو الإبتعاد والإنعزال فيما يصبحون أكثر ترابطاً بعوالم ليست حقيقية في الغالب , وهذه الفجوة في الإبتعاد لها أثار سلبية ليس على الأفراد أنفسهم فقط بل تنعكس على المحيط الذي سيعيشون فيه في المستقبل وعلى الأسر التي سيؤسسونها , فهم لن يعارضوا تمسك ذرياتهم بهذه العوالم الإفتراضية وقد لا يحركون ساكناً عندما يعلمون إنهم يجلسون في تقليب صفحاتها لساعات طوالٍ دون محاولة بسيطة منهم لمعرفة مالذي يتصفحونه !
ناهيك عن إن الإنخرط في هذه العوالم أكثر من اللازم من قبل "شباب وأًسر ليس لها تحصين ديني كافٍ"قد يساهم في تغيير وكسر حاجز عادات إجتماعية"صحيحة"عاشت على وقعها أجيال وأجيال ..
الإنترنت والهاتف أداتان حضاريتان راقيتان جداً , ومهتمان جداً , ومفيدتان جداً , لكن فيما لو أُستغلتا كما يجب , وكما يجب يتضمن ملاحظتين هامتين :
لاتمنع أبنك أو أبنتك أو شقيقك أو شقيقتك من إستخدام الانترنت والهاتف , بل أمنحه مطلق الحرية كي لا يشعر بكبتك ومراقبتك له فينفجر بمحاولة إستكشاف الصفحات التي تحذره من الدخول إليها , فبشدة نحذيرك له ومنعك له من دخولها سيدفعه الفضول لإستكشافها ومعرفة محتواها الخطير الذي شوقته لمعرفته فـ"كل ممنوع متبوع"

حاول إن تصادقه , تكسب ثقته , تتواجد معه على نفس الموقع , أستخدم معه نفس الوسيلة دون "إستفزاز"لرغبته في التحرر من قيدك , ساير رغباته مادامت صحيحة وغير خاطئة , راقب طريقته في التعامل مع الوضع إصنع مثله بطريقة "صحيحة"ليرتاح لإنفتاحك اليه ويحاول إتباع طريقتك الصحيحة في إستخدام هذه الأدوات ,

الإنترنت والهاتف ليسا حسنان دائماً ولاسيئان دائماً ..

نورائيــــل


منتصف الليل،لازلت أذكر الوقت جيدا،انحرفت الحافله عن طريقها وأستدارت حول نفسها ثم تدحرجت بخفةعجيبة وتوقفت بصورة مائلة بعد إن قتل الصخر وزجاج النوافذ كل الراكبين إلاي، كنت ألأقرب لباب السيارةورغم كل جراحاتي ودوار رأسي والرعب الذي أحتلني نزلت،
منطقة جبلية مهجورة تماما هذا ما أستنتجته وأنا أتكأ على صخرة لأن ساقي لم تعني على المشي فالواضح حينها أنها كسرت،

شاب أستغربت وجوده في تلك المنطقه البعيده جاءني وساعدني على النهوض وأدخلني بيته الذي أدهشني إنه خلف الحافلة تماما وأني لم أره حين خرجت منها والأكثر غرابة إحساس الشاب بتفكيري بهذا ألأمر ورده دون سؤالي:ألمك منعك الرؤيا..

ناولني مرهما بصمت فوضعته على كل جراحاتي فسكن نزفها وألتأمت وتلاشى ألألم!
جاءني برمان فتذوقت واحدة وراق لي طعمها الذي لازالت نكتهته في لساني،أوشكت أن أخبره أني مبعوثة بلدي الطبية لبلدتهم فسبقني بهدوء وقال

: كل من على هذه ألأرض مبعوث،لكن قد يؤدي رسالته أوقد يرحل قبل أن يكملها!
صمت منذهلة فنطق هو عندما أوشكت أن أسأله عن أسمه

: نورائيل .

ضجيج سيارة ألأسعاف والشرطة أفاقني وقد وجدت نفسي أتكأ على ذات الصخرة لكن لا أثر للشاب ولا للبيت خلف الحافلة،وجراحي وآلامي والتربة التي في يميني أختفت!‏


الأحد، 19 فبراير 2012

صاحبة العطر

صاحبة العطر ..
لايدري أين هو , وكيف وصل إلى هنا , ولا حتى الطرق التي قادته الى  هذا المكان !, لايذكر سوى ذلك العطر الذي حملته له نسمات المساء عبر النافذة المفتوحة  وجعلته أسير أستنشاقه وتتبع مصدره , مصدره الذي ظل مجهولاً رغم السير لمسافات طويلة في دروب لم يسبق له إن سلكها من قبل أو رأى منظرها  الغريب ولولمرة واحدة في حياته , ربما هي متاهة التجرد من الزمان والمكان وتتبع الحاسة التي توقفت عن أمره بِالتقدم وقتمأ زاد تركيزالعطر وتملك أنفاسه عند فتاة بدت كملاكٍ محاطٍ بهالة نور في ليلة حالكة الظلام ,
ضج دماغه بالإسئلة المنطقية , فما هذا العطر ؟ وماسره ؟ وما ومن تلك الفتاة التي يفوح منها ؟
توارت عنه في طريق طويلٍ فتبعها دون أن يسألها ودون إن ينظر الى كل ماحوله وهو يتغير ويكتسي حله أخرى من الغرابة والغموض والصمت والظلمة والجنون , فلا البيوت عادت هي ذاتها البيوت ولا الأسفلت هو نفسه الأسفلت , حتى ماء النهر الذي جواره بدا يأخذ لوناً آخر !
سحق الأشواك وهرب بمعجزة من الذئاب والوحوش وركض يقطع بلادً وبلاد , مر بإناسٍ بإلوان و السن وديانات شتى , عطش وجاع ونام وأستيقظ ومرض وشُفي وهو لايزال يتبع أثر تلك الفتاة بكل جنون ويحاول فهم لغز العطر بجنون آخر حتى يأس بعد سنوات من السعي خلفها بعد إن وصل إلى هذا المكان !!
_ بنيّ أستيقظ .
فتح عينيه المرهقتين من سهر السنوات في ليلة واحدة , أستنشق ذلك العطر مرة أخرى , وتبع مصدره لغاية النافذة حيث زُجاجة عطرٍ غريبة الشكل وضُعت هناك ....!!


الخميس، 12 يناير 2012

الحُسن أسفر بالحجاب .. أحمد مطر

 الورد في أكمامه. 

ألق اللآلئ في الصدفْ.

سُرُج تُرفرفُ في السَدَفْ. 

ضحكات أشرعة يؤرجحها العبابْ.

و مرافئ بيضاء

تنبض بالنقاء العذبِ من خلل الضبابْ.

من أي سِحرٍ جِئت أيتها الجميلهْ ؟

من أي باِرقة نبيلهْ

هطلت رؤاك على الخميلةِ

فانتشى عطرُ الخميلهْ ؟

من أي أفقٍ

ذلك البَرَدُ المتوجُ باللهيبِ

و هذه الشمسُ الظليلَهْ ؟

من أي نَبْعٍ غافِل الشفتينِ

تندلعُ الورودُ ؟

- من الفضيلَهْ.

! هي ممكنات مستحيلهْ

قمر على وجه المياهِ

َيلُمهُ العشب الضئيلُ

وليس تُدركه القبابْ.

قمر على وجه المياه

سكونه في الإضطراب

وبعده في الإقترابْ.

غَيب يمد حُضورَه وسْطَ الغيابْ.

وطن يلم شتاته في الإغترابْ.

! روح مجنحة بأعماق الترابْ

وهي الحضارة كلها

تنسَل من رَحِم الخرابْ

و تقوم سافرة

لتختزل الدنا في كِلْمتين :

! ( أنا الحِجابْ )


:

من قصيدة الحُسْنُ أَسْفَرَ بالحجاب لاحمد مَطَرْ

الاثنين، 2 يناير 2012

نحـــوكَ








ها قد بدأ عشاقك بالزحف نحو قبرك ..
نحو فردوس الاروح ..
وملكوت القلوب ..
 ومأوى وملاذ النفوس ..

لاشيء يجبرهم , ولا أحد يأمرهم , ليسوا مرغمين على فعل ذلك ,
 أبداً ..
فطرتهم وحدها هي التي تسيرهم وتقودهم أليك ..

فطرتهم دفعتهم لتحدي كل المخاوف والمهالك ونبذها وراءهم ظهريا ,
فطرتهم جعلتهم يلهبون أجسادهم بالشوق لك للتغلب على شتاء قارص البرد ..
فطرتهم أمرتهم بإن يتركوا خلفهم كل الملذات والجماليات والكماليات وينصاعوا لنداء التخلي عن كل مايبعدهم عنك ..

تركوا الأهل والأوطان والأولاد وساروا لك ...
لوحة غاية في السحر والعجب!!
الكل يمشي .. كل شيء يمشي .. حتى الجماد .. بل كإن الكون كله يمشي اليك ..

كل شيء يمارس صلاة الفطرة , حين يغزل الفجر أولى خيوط أذان هذه الصلاة ..

كنت ممتلئة بإلف كلمة وكلمة , ولكني ما إن أبصرت بياض الصفحة حتى تلاشت من فكري جميعها ولم يعد لها أي مكان . .
وحتى لو بقيت وأمسكت بها ريشتي حتماً لا تفي قدرك ولن تصل لمقام سموك ..
فإنت الحسين وكفى ..


السبت، 31 ديسمبر 2011

عبــر الأثيـــر ..


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
((الصديقة الزهراء عليها السلام))



وأخيراً رن الهاتف .. بعد أسبوعين متتاليين من محاولاتها الفاشلة والتي كانت تُختم بـ(الهاتف مغلق أو خارج نطاق الخدمة) , بدت مرتبكة وغير متزنة وهي تسمع الرد :
_ نعم , تفضل .
_ آآ , آسفة , أليس هذا هاتف سهى ؟
_ لا , ربما طلبتي الرقم الخطأ .
أنهت الإتصال بعد الإعتذار , والقت بنفسها على سريرها تتنفس الصعداء وتستجمع كل الحروف التي نطقها وكيف نطقها , وتحاول إن تحلل شخصيته وتحكم على مدى لباقته وقوة شخصيته من خلال طريقة رده , سيطرت تلك المكالمة التي تعمدت إجراءها على تفكيرها لمدة ساعة كاملة ومنحتها سعادة وقتية قصيرة , فمن السخافة إن تقارن مكالمة مدتها لحظات قصار بشهرٍ كامل من محاولة البحث عن الرقم والتأكد من كونه رقمه الشخصي حقاً وطلبها أياه لآلاف المرات ! , لكن مع ذلك كانت راضية عن النتيجة كخطوة أولى نحو الهدف .

هرعت إلى مذكرتها التي أحضرتها لها والدتها من (روسيا) خلال قدومها الأخير والذي خصصته لقضاء عطلة مميزة معها بعد خمس سنوات من الغياب عنها والإنشغال بمسؤولياتها الأخرى التي تبدو أكثر أهمية منها , فتحت المفكرة على صفحتها الأولى وقد خطت لها والدتها بيمينها كلمات تعشقها نبعت من ثغر رجل هي مجنونة بعشقه فطرياً : ( من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد؟!) , أدارت الصفحة الأولى التي ملأتها سكينة وسطرت على الصفحة الثانية كل شاردة وواردة من المشاعر والإختلاجات عن تلك المكالمة التي أجرتها , ثم تركت الصفحة مفتوحة وقامت لتشرب بعض الماء , حين دخلت والدتها الضيفة برفقة جدتها (الأم) الى الغرفة وقرأت محتوى الصفحة وأنهالت عليها بالتقريع والتوبيخ والإهانات وحرمتها من هاتفها النقال ثم حزمت أمتعتها وعادت الى روسيا بعد يومين من ذلك ,

كان عليها إن تُكمل هذا المشروع بإي صورة ودون إن تبرر لإحدٍ سبب فعلها أو حتى إن تشرح على الأقل لإحدهم من هو ذلك الشخص ولمَ تتصل به ولماذا آلان بالذات بعد ثلاث وعشرين عاماً من الإستقامة المشهود لها بها ؟! ,
_ أين العهد ياحفيدتي ؟
_ لايزال موجوداً , عهد الثقة الذي بيننا وهو إن لا أرتكب خطأ أبداً .
_ ومالذي فعلته غير الخطأ ؟
_ بإمكاني إن أكذب وأقول إن ماقرأته أمي ليس سوى قصة قصيرة كتبتها في المفكرة وأستغل حبكِ لي وأسترجع هاتفي , لكني لن أكذب أنا فعلت ماكتبت بحذافيره , لكني لم أخطأ .
_ وماذا يكون الخطأ أكبر من أن تهاتف فتاتاً شخصاً ما ؟
_ لتكن ثقتكِ بطهارتي أكبر من كل شك .
أسترجعت هاتفها وأنتظرت المساء ليحل , ملهوفة أنكبت على الرقم تطلبه ودون إن تنتبه إن كل كيانها كان "خفقاناً"و"سروراً" , لم تدري كيف توطدت صلتها بمجرد (كلماتٍ عن هذا الشخص)و(مكالمة صوتية للحظات مع هذا الشخص)إلى هذا الحد من الجنون الحنون والشوق المفرط
_ نعم , تفضل .
_ لا أدري من أين أبدأ !
_ أعيدي تربية نفسكِ , هذه هي البداية , ولاتتصلي مرة أخرى .
_ ليس من حقكِ إن تطلب مني إن لا أتصل بك !
_ لماذا ؟
_  لإنه واجبي .
_ ماذا ؟ ولماذا ؟
أنهت المكالمة , وأتجهت لمحراب صلاتها , مليئة بطمأنينة غريبة مولوجة بروح سكون لاتوصف , لعدة أسباب وليست المكالمة الثانية وحدها هي السبب بل ربما لإنها على موعد مع معشوقها الأول ( الحسين ) في الغد , إنه مغروس في قلبها بصورة غير إرادية وحبها له دائماً مايذكرها بقول جده صلى الله عليه وآله وسلم : (حسينٌ مني وأنا من حسين ) , فهي تجد في هذه المقولة جمال الإمتداد البشري عبر الأجيال التي يتركها الإنسان خلفه وعن روعة تركه لبقاء صالح وذكرى جميلة إن رحل , تماماً كالحديث عن زهرة ذابلة بقي عطرها الجميل مستحوذاً على خلايا الحس كلما طرق الروح ذكرها .

قادتها اللهفة نحو هاتفها بعد إن عادت :
كنت لدى حبيبي الحسين .
_ أتحبينه ؟
_ ومن لايحبه ؟
_ غريب إن فتاة تحب رجل الإباء تهاتف رجلاً !!
_ لست ككل الرجال !

مرة أخرى كان عليها إن تنهي مكالمتها وإجباراً هذه المرة لإن جدتها قبضت عليها متلبسة بالجرم المشهود وفي آخر جملة لاتحتمل تفسيرين " لست ككل الرجال" , وبختها أشد التوبيخ , وأهانتها بكل الإهانات المتاحة لديها "وهذا من حقها" وفي النهاية ضربتها ,
لجأت لمفكرتها طوال أسبوع من الألم , مفكرتها بدت سلوتها الأخيرة في عالم لايستطيع فهمها , وحتى إن حاول أحدٌ فهمها فلن يكون بمقدوره إن يجد أي تفسيرٍ مقنع وطاهر لـ"لست ككل الرجال" هي في النهاية تهاتف رجلاً مهما كانت الأسباب والدوافع والغايات , وليس ثمة أحداً مضطراً لإن يفتش في إحتمالية وجود تفسيرٍ آخر لتلك الجملة الكارثة ..

_ كنت أتصور إن وقوع الإنسان في الخطأ محدد بعمرٍ معين , لكن الحقيقة الماثلة أمامي ياحفيدتي الكريمة (قالتها بإستهزاء) تفيد بإن الإنسان يمكن أن يخطأ في كل وقت .
موطئة الرأس أجابت :
يجب إن نجد تعريفاً مناسباً للخطأ , قبل إن نتهم الآخرين  بالوقوع فيه .
_ كان علي إن أحرمكِ الهاتف منذ البداية .
_ الخوف من الخطأ يولد الخطأ .
_ والثقة من عدم أرتكاب الخطأ تولد الخطأ !!.

كانت تشعر بالإختناق الروحي , تحتاج لهاتفها تحن لذلك الصوت , لتلك الطريقة المهذبة في الكلام بل وحتى في الإهانة , لم يعد بإمكانها الصبر أكثر , لذلك كان يجب إن تجد طريقة ما لتهاتفه حتى وإن ماتت من أجل تلك المكالمة , فهي آلان أمام قضية رد إعتبار وكشف حقيقة عفة وتعويض روحٍ عن حرمانها , تسللت لغرفة جدتها التي كانت في السوق وقتها وأخرجت الهاتف من الخزانة وأسلمت لروحها قبل أناملها طلب الرقم :
(الهاتف مغلق أو خارج نطاق الخدمة ) .
أغلقته وأعادته مكانه , دخلت غرفتها متوترة ومكبوتة وفي داخلها الف دعوة ودعوة لله على إن يكون بخير وإن غلق هاتفه لم يأت نتيجة حدثٍ سيء ,
ماكل هذا الضعف الذي أنتابها ؟ ولم هذا الإستسلام المفاجىء ؟ , لم يسبق لها إن كانت هكذا من قبل , ولإنها لم تعد تملك زمام نفسها غامرت مرة أخرى ودخلت غرفة جدتها وأستخرجت الهاتف وطلبت الرقم , وجاء الرد :
نعم , تفضل .
_ قلقلت لإن الهاتف كان مغلقاً .
_ لدي عائلة .
_ وأنا أريد إن أكون جزءً منها !!.
_ هل تحبين أحد أولادي ؟
_ أحبهم جميعهم !! .
_ ماذا ؟
قدمت جدتها فأنهت الإتصال على عجل وأعادت الهاتف مكانه وخرجت من الغرفة مسرعة وتظاهرت إنها كانت تجلس في الصالة , بدا كل شيء طبيعياً أول الأمر , إلا إن الكارثة كانت في إن الهاتف رن لإنها نسيت إن تغلقه , تلقت صفعة ممتازة من جدتها التي ردت على الإتصال :
نعم ؟ من تكون ياقليل الأدب , ألا تخجل من صوتك الخمسيني ؟ إن حفيدتي لبعمر إبناءك .
_ هي التي تلهث ورائي , قومي بتربيتها أولاً , إتصلت لإستفهم عن هويتها الغريبة وطريقتها المموهة في الكلام لا أكثر .
تسمرت في مكانها تلوم الأقدار التي لم تُسعفها في أكمال خطتها كما أرادت , وأوطأت رأسها خجلةً من جدتها التي لم يعد بإمكانها إن تصدق أبداً إنها ليست مخطئة , فإلانسان عندما يوضع في موضع لايُحسد عليه ينسى الطرق وألاليات المناسبة لدفع الشبهة عن نفسه لإن دماغه ينشغل في منطق الألم أكثر من منطق رد الألم ,
تقرر إن تنقل للعيش في بيت خالها ورغماً عنها فهناك سيكون الوضع أكثر قيداً وحرصاً , وهذه غلطة غبية , فالقيد يولد الخطأ أكثر مما يمنعه أو على الاقل يساهم بصنعه مع بعض الحسنات التي يتمتع بها القيد في البيئات الي لايحكمها "ضمير" ..
وقبل إن تغادر بدقائق أكتشفت إنها لم تتب أبداً بل ولاتستطيع إن تتوب , فالأمر ليس بيدها أبداً , إنه خارج نطاق سيطرتها ولايمكنها إن تحده , أستغلت فرصة نوم جدتها وأختلست هاتفها , طلبت الرقم الذي كان محفوظاً في الهاتف والذي لم يسبق للجدة إن طلبته من قبل فهو مجرد رقم لإسمٍ مهمل في تاريخ العائلة بل وخارج عن حيز حاضرها ماعدا حاضرها وماضيها ووقع روحها هي :
نعم , تفضل .
_ أنـ .. ..
_ ألن تتوبي ؟ , توبي لله يابنية .
_ لم يعد بإمكاني العيش على هامش الأحلام .
_ العيش على هامش الإحلام أفضل من العيش في منتصف صفحة الكوابيس .
_ أريد الكوابيس مادام تعنيك .
_ عنادكِ يشبه عنادي , بل أنكِ تشبهيني .
_ من الطبيعي إن أشبهك .
_ كيف ؟
_ لإني أبنتك ولإنك أبي .
دخلت غرفتها , أستقبلتها مفكرتها المفتوحة على صفحة بيضاء خالية من أي كتابة , أمسكت قلمها ووهبتها روحها مداداً من القلب كان كافياً ليملاً كل صفحات المفكرة بكلمات السعادة والفرح , لم تكن تعيش في الحياة إلا لكي تصل لهذه اللحظة اللحظة التي تجتمع فيها بإبٍ أفترقت عنه وهي بنت سنوات ثلاث , وأعقب ذلك فراقها لإمها وهي بنت خمس سنين لتعيش في حجر جدةٍ حنون أغدقت عليها من أعماق نفسها نقاءً وحناناً ووداً , آلان وقد جاءت هذه اللحظة التي كانت تتصور إن الحياة ستتوقف مابعدها , أكتشفت فيها إنها أكثر شوقاً للغد من أي وقتٍ مضى , وإن لديها من الأمل مايكفي لتبتسم حتى تنسى طعم الحزن , فاللحظة الهدف قد لاتعني مجرد الهدف وحده بل تتعداه لتشمل العيش على أشعة شروقه اللاغاربة , جميلة هي الحياة عندما يعيشها الإنسان على وقع عزف اللحظات , اللحظات التي تشكل الحد الفاصل بين الجنون والعقل والحب والكره والسعادة والحزن ,
_ هل كان الأمر يستدعي كل هذه المغامرة ؟
جاءها الصوت الذي طالما سمعته وشد روحها الى دفئه عبر الهاتف , لكن هذه المرة صاحب الصوت ماثلاً أمامها وفاتحاً ذراعيه , طالباً منها إن ترتمي إلى حضن أبوته الدافئ لتنهل منه عبق الحياة المستقرة على وقع دقات قلبه ,
عانقته وأرتمت بين ذراعيه , أستنشقت عبير الأمل من وجوده وقالت :
وجودك يستدعي بذل الروح لافقط المغامرة بها .



 بقلمي المتواضع 



الخميس، 22 ديسمبر 2011

إعـــترافٌ مُتــأخرٌ


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدٍ وآل محمد
السلام على مولاتي التي أسير على خُطاها وأرنو لرضا الله تعالى برضاها
(( الصديقة الزهراء عليها السلام))




" قصة بقلمي المتواضع "

اليوم وقفت أمام خزانة ملابسي في محاولة لإستعادة الذكريات أو ربما تحرشٌ بالقدر! , فقد أستوقفتني الألوان الجميلة والزاهية كشبابي الذي للإسف لم يذق جسده طعم الثياب الملونة منذ عامين , غافلتني يدي وأمتدت نحو الفستان الزهري وسحبته من مكانه بسرعة خلسة عن قلبي وخوفاً منه , أرتديته وتناغم مع عشرين عاماً من الجمال والطفولة المتأخرة والغُنج الساحر والعناد الذي طالما كنت أنت تحبه ..
سألتني أمي مستفهمة :إلى أين ؟
_ إلى المقبرة . .
_ المقبرة ؟ , إن لم تحترمي رأي الناس أحترمي الموت والموتى وأرتدي لوناً مناسباً ..!!
_ لدى الموتى مايكفي من الهموم والأحزان , إلا يكفيهم فراقهم لإحبتهم وعدم إستعدادهم لهكذا رحلة حطت على رؤوسهم فجأة !! لكي نذهب لزيارتهم مثقلين بدموعنا وويلاتنا!! , لماذا لانفكر إن نذهب لزيارتهم ونحن سعداء ونرتدي أبهى مالدينا ونخبرهم بكل الأشياء الجميلة التي تحيطنا وتحدث معنا ؟!
خرجت وأنا أؤمن بإني اليوم وأكثر من أي قت أحترم الموت , الموت الذي جعلني أقدر قيمة الحياة وقداستها وحق الله علينا في الحفاظ عليها لإنها ليست سوى روح من روحه تعالى وعلى إلانسان صيانتها , حقاً أنا أحترم الموت الذي طعنني وأنا بنت ثمانية عشر عاماً وفرقني عنك ليس لإنك لم تحترم الحياة بل لإن همجياً ما لم يرق له مداد قلمك الصريح وعمودك الفاضح لفعاله , هي معركة أنا لست طرفاً فيها مطلقاً لكني كنت الطرف الذي لم يشارك فيها وخسرها! ببساطة لإني زوجة صحفي كان يحمل كفنه داخل قلمه الذي أبى إن يكون أخرساً وربما كان قلمه الذي ظنه صديقه هو عزرائيله وعدوه مثلما كانت الأشياء التي حوله هكذا بما في ذلك أنا .. أنا التي كنت لا أجيد إلا قول : أريد , أتمنى , أطلب .. وكنت أنت بكل بساطة تقول :
على الرحب والسعة .
أنا التي كانت تكرهك بشدة وتمقتك أشد المقت لإنك تزوجتني رغماً عني وأنا بنت سبعة عشر عاماً وكنت أجعل من عنادي وتهوري وقلة صبري وتعصبي طريقة أقابل بها كل الأمن والحب الذي تغمرني به , وكإنك طفل فُطم على حبي أو عشق عنادي وسلبياتي كل سلبياتي الكثيرة التي جعلتني إنسانة أو طفلة لم تطع زوجها أبداً , إلا في حالة واحدة :
سننتقل للعيش في بيتنا إلى النجف .
_ كما تشاء ..
ترى لماذا النجف ؟ هل حببك حتفك بمدينة ستُدفن فيها ؟ , أم أنك وددت إن تعتاد على وحشتها لكي لاتجد صعوبة في التأقلم معها إن مُت؟! , كلها أسئلة دُفنت معك ومع ثمانية وعشرين عاماً من الحياة المفعمة بالتعب والمرار والخشونة واليتم والوصول بشق الإنفس .
لم يكن الطريق إلى قبرك طويلاً أبداً , فقد وصلت إلى هنا بسهولة , وها أنا أشعر بغبطة غريبة وراحة تسكنني وتحوطني وكإنها تلك السكينة التي كانت تلفني كلما دخلتَ بيتنا الصغير رغم كل عنادي وغروري ,وصدي لك ,
الحقيقة , إنني غبية وبإمتياز , ومن الجميل إن أعترف بهذا , فالإعتراف بالحقيقة دون أي ضغط حالة إنسانية رفيعة غاية في الجمال , والإعتراف خير من عدم الإعتراف , وعدم الإعتراف قد لايكون مُراً بقدر مرارة الإعتراف المتأخر الذي يلتف حول الروح والنفس ويقطع على الأوكسجين طريقه !! .. وها أنا أقف أمام شاهدك الجميل الذي تفوح منه رائحة الشباب المغدور والمغمور بالحب لإقول لك ولإول مرة أني ماعرفت قدرك ولم أقدر قيمتك وإن وجودك لاثمن له..